Talk To The Hand .. Talk To The Mind !!!
شبابيك لأبـواب

الحياة بمجملها ليست فقط أبواباً تتقن لغة الإغلاق والإغراق في الخصوصية إنما الحياة شبابيك تجيد لغة الحرية وتتحدث بلغة الأمل..جميلة هي أبواب الحياة والأجمل منها شبابيكها، بيت بلا شبابيك يؤدي إلى الإختناق وكثيراً إلى الإنفجار، فالمنافذ خُلقت لتفريج الكروب.. وإذا تعذّر علينا وجود شبابيك لنفتح كوّة في الجدار.. وإذا سُدّت في وجهنا الأبواب لنفتح ثقباً تعبر منه نسمة تغير المزاج وتنعش طقس الحاضر، وتُذكّرك أن الحياة ليست فقط أبواباً تُفتح لأناس وتُغلق في وجه أناس، إنما الحياة شبابيك نفتحها نحن بأيدينا لنجدد هواء ذاتنا فيسهل علينا التنفس..إن أُغلق عليها باب الحظ فتحت شبابيك الرضا فاقتنعت.. وإن أُغلق باب الرزق ففتحت كوّة للتدبير وشباكاً للقناعة وإن أُغلق باب الجمال فتحت نافذة أطلّت منها على جمال روحها ونفسها.. وإن أُغلق باب العلم فتحت شبابيك الثقافة وسمحت لرياح المعرفة أن تغزوها، فانتشت.. وإن أُغلق عليها باب الغربة، فتحت في رأسها ثقباً تُطل منه على الأهل والأحباب..
وإن أُغلق ايضا باب الذرية، فتحت شباكها لكل أنواع العصافير ترعاهم ، وتغدق عليهم أمومتها ولجماهير من الشباب المتعطّشين لموقف يتعلمون منه، أو لكلمة تنبههم للصواب، أو لشمعة تُنير طريقهم وإن أُغلق عليها باب السفر لضيق ذات اليد فتحت الكتب وغاصت في سحرها وتجوّلت في أرجاء العالم، وفي تجاويف النفس الإنسانية فحصدت متعة السياحة الحقيقية..حتى وان أُغلق عليها باب البصر لجأت إلى شباك البصيرة ففتحته على مصراعيه، ورأت ما لا يراه الآخرون..وإن أُغلقت في وجهها أبواب العمل، عملت على ذاتها تدربها على الصعاب، وفتحت لنفسها شباكاً للأمل.. وتذكرت قول ''جان جاك روسو'' ''إذا كان ماضيك مؤلماً ومستقبلك مظلماً فارفع رأسك إلى السماء تجد الراحة والسكينة''..وإن أُغلق عليها باب الشباب فتحت لنفسها ثغرة تنفذ منها إلى حكمة الشيوخ، تقلّد خبرتهم وتقول لمن حولها : ''إذا رأيت الحزن في وجهي والخريف في نفسي ابتعد عني وابتسم فالقلوب التي لا تغسلها الدموع يملؤها الصدأ''..وان أُغلق عليها باب المرض فتحت شبّاك الرجاء، واستنفرت طاقتها الإيجابية للتصدي لسلبيات الجسد..
وإن أُغلق باب الأخوة فتحت شباك الصداقة واستعاضت عن الأخ من أمها بأخٍ لم تلده أمها.. وإن أُغلق باب الحب نظرت إلى السماء وفتحت شباكاً يصلها بعشق الخالق فأسعدها التصّوف.. وإن أَغلقت عليها العولمة باب الإنتماء فتحت لنفسها شبّاك الأصالة فازداد تعلّقها بالجذور..وإن أُغلق عليها باب الوطن، اخترعت لنفسها وطناً فتحت شباكها عليه، قد تكون صديقة ، أو ولداً أو عملاً، أو كل هؤلاء ، وإن تخلخل مفاصل باب أمتها المضروب بكل أنواع المناجل تذكّرت المقاومه البطله وتضحياتها
وتأكدت من نهضةٍ جديدةٍ للأمة رغماً عن كل كبواتها فأمتها ما زالت ولاّده.وإن أٌغلق عليها باب الحياة أملت في حيواتٍ أخرى أكثر إشراقاً...لا شيء يثقب النفوس ويُدمِّر الأمم مثل اليأس.. أمّا الأمل فبيده مفاتيح لكلَّ الشبابيك ليترك للشمس حيزاً لعبورنا نحو أفق نحيا به من جديد..الأمل إن دخل على الأمور زانها وإن خرج منها شانها..كما المطر مستقبل السحاب، والدفء مستقبل النار، والموت مستقبل الحياة ، كذلك الشبابيك مستقبل الأبواب..للسعادة شبابيكها.. مشكلتنا نحن المكتئبون أننا أدمنا الجلوس في الزوايا.. وتعوّدنا على عفونة الاستكانة، ونسينا أن في بيوتنا وقلوبنا شبابيك ليس
علينا إلا أن نفتحها..

غيداء درويش
ما زلنا نتعلّم ...!

'' كم من السهل أن ننسى أننا ما زلنا نتعلم ... ''.هذا ما أقوله مرات عدة لجارتنا التي لديها طفلان صغيران أحدهما في الرابعة والآخر في السادسة ، أحيانا كثيرة أتناول العشاء برفقتهم هذا لأن طفليها ينتظران مني الحلوى والقصص ، وبما أن زوجها خارج البلاد في العمل فلا بأس بالفكرة أسبوعيا، وأحيانا أكثر يوقع ولدها ذو الست سنوات كوب الحليب على مائدة العشاء وسرعان ما تشرع في توبيخه ولومه وعتابه ...دعتني لشرب القهوة الصباحية أول من أمس فكانت سعيدة لأن زوجها سيحضر لها عقد اللازوردي من الخليج بعد أسبوع، وكالعادة وضعت لولديها كوب حليب ، انزلقت قطرات من الحليب من كوب الطفل ذي الاربع أعوام فلمعت عينا أمه بوجهه أسدلت جراءها بسمته التي طالما انتظر النظر إليها ... فقمت عن عمد بإسقاط فنجان القهوة الذي بيدي ، سرعان ما أحضرت منشفة وهي تقول : لا بأس يا عزيزتي ''كب القهوة خير'' نظرت الى الطفلين وتعمدت القول بصوت ملحن :ما زلت أوقع الاشياء حتى وأنا في هذه السن ، بدأ الطفل يتهلل فرحا ، استوعبت جارتي الرسالة وتراجعت ...
فكم من السهل علينا أن ننسى أننا ما زلنا نتعلم ...في اليوم الذي تلا ذلك اليوم بأيام ... ذهبت لشراء أحد الكتب ل''داون براون'' من المكتبة المحاذية للدوار المجاور ، كانت هناك سيدة تمسك بيد طفلها ذي الاعوام القليلة ، تناقش صاحب المحل بالكتاب الذي تود شراءه والذي يهتم بتربية الاولاد جيدا هذا لأنها تهتم لتربية ابنها جيدا فلا تدعه يتحرك عن ناظريها إلا ولاحقته ، حتى أنها اختارت له مؤخرا بقعة على رمال الشاطئ ليلعب عليها في كل مرة تزور بها البحر، وتحدّث البائع عن مهارات ابنها بتشكيل قصر ضخم وجميل من الرمال الا أن الطفل تحدث بصوت عال أخيرا : كم مرة أخبرتك أنه سجن يا أمي وليس قصرا ؟ استرخيت على الاريكة بعد عودتي من جولة تسوق طالما رغبت بها وإذا بصوت مزعج من الطابق الاعلى ، هرعت مع والدتي لنعرف سر الفزع ، فاذا جارتي ذات الطفلين تبكي، سألتها أمي عن السبب بعدما اعتذرت عن الدخول المفاجئ أمام زوجها ردت الجارة: كل ما في الامر أنني قدمت له كأسا من القهوة كما طلب وعندما حاولت رفع قميصه الجديد لأعلقه كيلا يعلق به شيء من أيدي الاولاد هبّ صارخا بوجهي لأنظر الى البقعة الصغيرة التي لا أعرف من أين أتت علقت بالقميص فانهال علي باللوم والعتاب : حذار ... انتبهي ... الى متى ... ؟ لكن الزوج سرعان ما نهض وقال معتذرا : أقسم أنني كنت أمزح... أمزح ... فأنا من فعل ذلك ؟ هدأت أمي من روعها وتناول الجميع فنجان القهوة ، فيما رحت أنظر الى وجهي الطفلين بابتسام طويل

صفية البكري